النباتات أيضا لها عيادة ؟ !

دكتور / مديح محمد على

يصاب النبات بالأمراض شأنه فى ذلك شأن الإنسان والحيوان وهو أمر قد لا يعلمه البعض . يحدث المرض فى النبات نتيجة لمهاجمته بأحد الممرضات التى من أهمها الفطريات و البكتيريا و الفيروسات كما أن المرض يحدث أيضا نتيجة لتعرض النبات لظروف بيئية معاكسة مثل الصقيع أو نقص أحد العناصر الغذائية فى التربة أو ملوثات الهواء إلي غير ذلك . قد تحدث الإصابة بالأمراض النباتية فى الحقول و البساتين كما أنها تحدث أيضا للمنتج النباتى أثناء النقل و التخزين و التسويق أو حتى لدى المستهلك وهو ما يطلق عليه أمراض ما بعد الحصاد .

مظاهر الإصابة بالمرض

تظهر علي النباتات المريضة أعرضا تعبر عما يحدث لها من معاناة و قد نعجب إذا علمنا أن بعض تلك الأعراض التى تظهر على النباتات المريضة تتشابه مع ما يظهر على الإنسان من أعراض نتيجة للإصابة بالمرض . فالإنسان المريض يعتريه الشحوب و يحدث ذلك الشحوب نتيجة لنقص الهيموجلوبين فى كرات الدم ، كذلك تؤدى الإصابة بمعظم الأمراض النباتية إلى شحوب النبات و ذلك نتيجة لحدوث نقص فى الكلوروفيل وفى الحقيقة فإن مادتى الهيموجلوبين و الكلوروفيل تتشابهان إلى حد بعيد فى تركيبهما الكيماوي . وتؤدى معاناة الإنسان من المرض إلى زيادة معدل التنفس فنرى أنفاسه لاهثة ، وفى المقابل إذا قمنا بتقدير معدل التنفس فى نبات مريض فإننا سنلاحظ ارتفاعا واضحا فى معدل التنفس خاصة فى المراحل الأولى للإصابة بالممرضات وفى الحالتين فإن ذلك يحدث نتيجة لزيادة نشاط العمليات الحيوية لإنتاج مزيد من الطاقة اللازمة لمقاومة المرض ، إذ أن تنشيط الوسائل الدفاعية التى تقوم بالحد من تقدم الممرض أو القضاء عليه فى كل من الإنسان و النبات يحتاج الى قدر كبير من الطاقة . و قد نجد الإنسان المريض يتصبب عرقا وفى المقابل لو قدرنا معدل النتح فى نبات مريض فإننا سنلاحظ أنه أعلى من مثيله فى النبات السليم .

أمراض الأورام

  كما أن الإنسان قد تحدث فى جسده أوراما سرطانية فإن النباتات أيضا قد تصاب بأمراض تؤدى الى حدوث أوراما سرطانية ، قد تختلف العوامل التى تستحث التسرطن فى كل من الإنسان والنبات إلا أن طبيعة تكون الأورام تتشابه فى كل من الإنسان و النبات . ولقد وجد حديثا أن أحد أنواع البكتيريا التى تستحث التسرطن فى أشجار الحلويات وعدد كبير من أشجار الفاكهة و أشجار الغابات وبعض الحوليات يمكنها أيضا أن تستحث التسرطن فى خلايا بشرية تحت ظروف الاختبارات المعملية .

أمراض طفولة و أمراض شيخوخة

تصيب بعض الأمراض الإنسان فى مرحلة الطفولة وأمراضا أخرى تصيبه فى مرحلة الشيخوخة وهناك أيضا ما يماثل ذلك أيضا فى النبات ، فبعض الممرضات تهاجمه فى مرحلة البادرة فقط وذلك لضعف قدرته على المقاومة خلال تلك المرحلة . تسبب تلك الإمراض موت نسبة من البادرات قبل ظهورها أو بعد ظهورها فوق سطح التربة ، من ناحية أخرى فأن البادرات تكون عادة اقل تحملا للظروف البيئية المعاكسة وعلى ذلك فإن مرحلة البادرة فى النبات تحتاج إلى قدر من العناية و الرعاية بما يماثل العناية بالطفل الوليد و رعايته . من ناحية أخرى فإن بعض الممرضات تهاجم النبات فى المرحلة التى تكون فيها النبات الحولية مقبلة على نضج الثمار والتى تعرف بمرحلة الشيخوخة ، وفى الحالتين فإن تلك الممرضات على وجه التحديد قد لا تهاجم النبات فى مرحلة منتصف حياته حيث القوة والقدرة على المقاومة بينما تهاجمه خلال تلك المرحلة ممرضات أخرى .

أمراض تختص بالنبات

إلا أن النباتات بحكم تركيبها لها أمراضا تنفرد بها عن غيرها من الكائنات وعلى سبيل المثال هناك أمراضا تصيب الجذور و تحد من قدرتها على امتصاص الماء و العناصر الغذائية . وهناك أمراضا تصيب الأوعية الناقلة للنبات مما يعوق سريان الماء و العناصر الغذائية من الجذر الى الأجزاء العليا من النبات أو يعوق وصول الغذاء المجهز الى مكان تخزينه أو تمثيله .

الخسائر المتسببة عن الأمراض النباتية

لقد كانت الأمراض النباتية سببا فى شح الغذاء وحدوث المجاعات منذ فجر التاريخ حتى التاريخ الحديث . من أشهر تلك المجاعات مجاعة أيرلندا التى حدثت فى عام 1845 و تسببت فى موت مليون من البشر و هجرة عدد مماثل و ذلك لتدمير محصول البطاطس نتيجة لإصابة وبائية بمرض يعرف باسم اللفحة .ومجاعة البنجال الكبرى التى حدثت فى عام 1942 و أدت إلى موت مليونين من البشر نتيجة لإصابة وبائية شديدة فى محصول الأرز بمرض يعرف بالعفن البنى . وتشير التقديرات إلى أن الأمراض النباتية تسبب نقصا فى الإنتاج الزراعى العالمى قدره حوالى 10 % ، إضافة إلي 5 – 10 % من الإنتاج يفقد نتيجة للإصابة بأمراض ما بعد الحصاد و التى سبق الإشارة إليها . وعلى ذلك فإن السيطرة على الأمراض النباتية إحدى الوسائل الهامة لزيادة الإنتاج الزراعى وذلك بإختزال الخسائر التى تسببها تلك الأمراض . هناك العديد من الأمراض النباتية التى نشاهد أعراضها بين الحين والحين وقد لا يدرك البعض أنها أمراضا نباتية وأنها تسبب خسائر فادحة . فقد نشاهد ثمار الحمضيات وقد ظهر عليها عفنا أخضر أو ثمار الفراولة وقد ظهر عليها عفنا رماديا أو درنات البطاطس وقد ظهر عليها عفنا جافا أبيض أو أخر طريا ولزجا أو أبصالا عليها عفن أسود ، إلى غير ذلك . يترتب على إصابة النباتات بالأمراض حدوث نقص المنتج الزراعى و انخفاض جودته بالإضافة إلي أنه قد تحدث مشاكل صحية نتيجة استهلاك الإنسان أو الحيوان لنباتات تعرضت للإصابة بالأمراض .

عيادة النبات ومكافحة المرض

تقع مسؤولية مكافحة الأمراض النباتية على عاتق أخصائيي أمراض النبات بالإدارات الزراعية الريفية والعاملين بمراكز البحث العلمى والجامعات . ولقد بدأت فكرة إنشاء عيادات النبات فى أقسام أمراض النبات بكليات الزراعة بالجامعات الأمريكية منذ أوائل التسعينات من القرن الماضي ثم انتقلت الفكرة إلي الجامعات الأخرى ومنها بالطبع جامعاتنا العربية . لعيادات النباتات هدفان رئيسيان أولهما أن تقوم الجامعات و أقسام أمراض النبات بدورها فى خدمة المجتمع بأن يضع أعضاؤها خبراتهم لخدمة زراع المنطقة التى تقع فى نطاقها و المشتغلين فى الأنشطة الزراعية على وجه العموم ، وهو واجب أساسي من واجبات الأستاذ الجامعي ولا يقل فى أهميته عن واجباته الأخرى وهى التدريس والإشراف على الرسائل العلمية و إجراء البحوث . فمن واجبات عيادة النبات تشخيص الحالات المرضية والتوصية بالإجراء الواجب اتباعه كما أن من أهم واجباتها تنظيم دورات تدريبية لتوعية الزراع بمدى أهمية الأمراض و الإجراءات الواجب إتباعها لتفادى حدوث المرض تطبيقا للقاعدة الذهبية

" الوقاية خير من العلاج " .

ونظرا لأهمية توعية الزراع وما يمكن أن تؤديه فى رفع الإنتاج الزراعى بوجه عام ، خاصة فى الدول النامية ، فإن أعضاء عيادة النبات من الواجب عليهم الانتقال إلى الزراع فى حقولهم لتوعيتهم و إرشادهم .أما الهدف الثانى لعيادة النبات فهو هدف تعليمى إذ أن عيادة النبات بالنسبة لأقسام أمراض النبات بكليات الزراعة تماثل المستشفي التعليمي بالنسبة لكليات الطب ، ففى الحالتين هما الوسيلة لإكساب الطلاب الخبرات العملية من خلال الحالات المرضية التى ترد لكل منهما ، حتى هذا الهدف التعليمى سيؤدى بدوره إلى الإعداد الجيد لمن سيتولون المسؤولية ومن ثم تحقيق الكفاءة فى السيطرة على الأمراض .

 

نشرت بموقع  القسم سنة 2001