اكتشاف بكتيريا نويات الثلج

Ice Nucleation Bacteria 

 

 

كان بول هوب   أخصائى أمراض النبات بوزارة الزراعة الأميريكية يجرى تجاربة فى سنة 1964 فى  ولاية ويسكنسن لتقويم  مقاومة  أصناف من الذرة الشامية لأحد أمراض تبقع الأوراق . كان  هوب يجرى العدوى الصناعية برش النباتات  بمعلق مائى   ناتج عن سحق أوراق مصابة  بشدة و تجرثم عليها الفطر الممرض بغزارة و كان يترك نباتات المقارنة دون رش أى شئ .  تصادف فى إحدى المرات أن أجرى هوب العدوى الصناعية ثم حلت موجة من الطقس البارد استمرت لعدة أيام . أدت موجة الطقس البارد إلى ظهور نتائج غير متوقعة ، فقد ظهرت أعراض ضرر الصقيع على النباتات التى  أجريت لها عدوى صناعية باللقاح المعد على النحو السابق الذكر  دون ظهور نفس الإعراض على نباتات المقارنة والتى لم ترش بشئ . افترض هوب  لتفسير تلك الظاهرة أن العدوى بالممرض جعلت نباتات الذرة أكثر حساسية لضرر البرودة . لتأكيد ذلك التفسير قام  هوب يقوم بإجراء العدوى فى نباتات الذرة بلقاح الممرض ،  المعد على النحو السابق ذكره ،  ثم  وضعها   فى غرف نمو ضبطت على درجات حرارة منخفضة فحصل على نفس النتيجة . إلا أن هوب لم  يستطع تحديد العامل الحقيقى المسبب لتلك الظاهرة لعدم دقة التجربة. بعد بلوغ هوب سن التقاعد استمر العمل فى مشروع تقييم أصناف الذرة  تحت  قيادة دين أرنى و معه شريس أبر من قسم أمراض النبات بجامعة ويسكنسن  . أجرى أرنى و أبر مزيدا من التجارب لتفسير ظاهرة زيادة الحساسية لضرر البرودة ، فى هذه المرة قام أرنى و أبر بإجراء التجربة بطريقة دقيقة  ، إذ قاما برش   نباتات  المقارنة  فى هذه الحالة  بمعلق مائى  ناتج عن سحق أوراق ذرة سليمة . كانت النتيجة أن الحساسية لضرر البرودة ظهرت على  جميع النباتات سواء المرشوشة بمعلق مائى  ناتج عن سحق أوراق مصابة   أو المرشوشة بمعلق مائى ناتج عن أوراق سليمة على حد سواء . بناء على ذلك استنتج أرنى و أبر أن المعلق المائى  الناتج عن سحق أوراق الذرة يحتوى على عامل يزيد من حساسية لنباتات لضرر البرودة .  توصل أرنى و أبر  بعد مزيد من التجارب إلى أن العامل المسؤول عن زيادة الحساسية لضرر البرودة هو كائن حى دقيق بعيش على سطح أوراق الذرة و ليس الفطر الممرض أو الإصابة بالمرض . فى سنة 1973 أنهى ستيفن ليندو دراستة لدرجة الدكتوراه  تحت إشراف شريس أبر و استنتج أن نوعا من البكتيريا التى تعيش على سطح الأوراق هى التى تسبب زيادة الحساسية لضرر البرودة و أن المعلق المائى غير المعقم الناتج عن سحق أوراق ذرة سليمة يحتوى على تلك البكتيريا و يكون له قدرة على تنشيط تكوين بللورات ثلجية بينما يؤدى تعقيم نفس المعلق إلى القضاء على  البكتيريا الموجودة بالمعلق و يفقده المقدرة على تكوين بللورات الثلج  . تأكيدا لتلك النتائج قام جابور فالى بإجراء تجربة عبقرية و ذلك بوضع قطرات من الماء على سطح  رقيقة من الألومينيوم موضوعة  على سطح ماء مبرد   بصفة مستمرة إلى درجة حرارة – 5 م  وراقبها فلم تتكون بللورات ثلج  . عند إضافة البكتيريا المنشطة لتكوين بللورات الثلج إلى قطرات الماء تكونت بللورات الثلج سريعا .   وجدت خاصية تنشيط  بللورات فى أنواع محددة من البكتيريا بعضها ممرض للنبات و البعض الأخر يعيش معيشة حرة على سطح أوراق النباتات دون أن يسبب لها أضرار ، تعرف تلك البكتيريا حاليا بالبكتيريا المنشطة لنويات الثلج  . وقد حظيت البكتيريا المنشطة لنويات الثلج باهتمام كبير من قبل علماء أمراض النبات حيث أنها تسبب ضررا مزدوجا فى تسبب المرض النباتى و تزيد الحساسية لضرر الصقيع  مما يؤدى إلى زيادة الخسائر . و يبدو أن تكوين تلك البكتيريا لنويات ثلج على السطح المحيط بها  يسهل عملية العدوى فى النبات .  و قد عرف أن خاصية  تنشيط نويات فى تلك البكتيريا تعزى إلى طبقة رقيقة من البروتين المرتبط بالغشاء الخارجى للخلية البكتيرية . و قد وجد أن فصل ذلك البروتين بعيدا عن الخلية الحية يفقده خاصيته . تختلف سلالات النوع الواحد من البكتيريا فى مقدرتها عل تنشيط نويات الثلج  و قد وجد من الناحية الوراثية أن تنشيط نويات الثلج صفة محكومة بجين واحد و تعرف السلالة  التى تمتلك هذا الجين بأنها موجبة لتنشيط نويات ، بينما تعرف السلالة التى لا تمتلك هذا الجين بأنها سالبة لتكوين نويات الثلج أو  مانعة تنشيط نويات الثلج  . حتى فى ذات السلالة الموجبة  لتنشيط نويات الثلج تختلف درجة النشاط تبعا لتركيب وسط الإنماء و درجة حرارة التحضين و يزداد تنشيط نويات الثلج كلما انخفضت درجة حرارة تحضين البكتيريا المعدة للتجريب .

الاستخدام  التطبيقية للتنشيط الايجابى أو السلبى  لنويات الثلج

    الحماية من ضرر الصقيع

 كانت البداية فى محاولة  استخدام البكتيريا سالبة التنشيط لنويات الثلج أو مانعة تنشيط  نويات الثلج فى تطبيق فى غاية الأهمية  و هو  منع حدوث ضرر الصقيع فى النباتات ، نظرا لما يسببه من أضرار كبيرة .  تمت التجربة الأولى فى هذا المجال سنة 1983 و فيها  استخدمت الهندسة الوراثية لإزالة جين تنشيط نويات الثلج من عزلة لبكتيريا ممرضة لنبات البطاطس  تتميز بأنها  ذات قدرة عالية على  استيطان سطح أوراق النبات  كما أن لها القدرة على منافسة  البكتيريا الموجبة التنشيط لنويات الثلج  و بالتالى تحد من تعدادها على سطح أوراق النبات . عوملت مجموعة كبيرة من المحاصيل بعزلة البكتيريا المهندسة وراثيا وكانت النتيجة إيجابية فقد نجحت تلك العزلة فى حماية المحاصيل المختبرة من حدوث ضرر الصقيع كما أنها لم تحدث إصابة مرضية فى أى من المحاصيل المختبرة . وعند محاولة ‘جراء تجربة حقلية موسعة لتأكيد النتائج المتحصل عليها عارض أنصار البيئة  بشدة  محاولة إدخال كائنات مهندسة وراثيا إلى البيئة ،  و قادت أجهزة الإعلام المقروءة و المرئية و المسموعة بشن بحملة شعواء ضد هذا الإجراء ، و قد وصفت تلك الحملة بانها أكبر اهتمام إعلامى فى التاريخ  لموضوع يتعلق بأمراض النبات بل لقد قيل  أنه أكبر اهتمام إعلامى لموضوع يتعلق بالعلوم الحيوية  على الإطلق . ترتب على ذلك  تأخر إجراء التجربة خمس سنوات حتى اقتنعت وكالة حماية البيئة الأميريكية بإجرائها   .  ونقلت وسائل الإعلام المقروءة و المرئية  أيضا  تنفيذ التجربة  فقد  ظهرت صورة لأحد الباحثين يرتدى بدلة واقية تشبه بدلة رجال الفضاء يقوم برش نباتات الفراولة  على صفحات الصحف و فى صدر النشرات الإخبارية التلفزيونية   . المثير للدهشة  أن خلفية   الصور ظهر بها بعض الصحفيين يحتسون القهوة غير عابئين بما يفترض من خطورة للتجربة . بعد إتمام إجراء التجربة تعرضت للإعتداء من قبل الغوغاء و دمرت بعض النباتات و المعدات الحقلية  . أخيرا وصلت البكتيريا المانعة لتكوين نويات الثلج إلى حيز التطبيق فقد انتجت إحدى الشركات  بالفعل مستحضر تجارى لأحد أنواع البكتيريا التى تقى من حدوث الصقيع  كما أنها تعمل على مكافحة بعض الممرضات حيويا .

    المكافحة الحيوية للحشرات

تعتمد قدرة  الحشرات على عبور فصل الشتاء بتعداد كبير على مدى قدرتها على تحمل الصقيع وعلى درجة الحرارة أثناء الشتاء وعموما فإن غالبية أنواع الحشرات لا تحتمل تكون الثلج بداخلها و  يؤدى الشتاء شديد البرودة إلى موتها . و  قد أدى   التوجه  نحو خفض استخدام المبيدات  إلى البحث عن  بدائل أخرى  من بينها المكافحة الحيوية  . و كان استخدام البكتيريا المنشطة لنويات الثلج أحد وسائل المكافحة الحيوية . تعتمد تلك  الوسيلة  على جعل أحد أنواع البكتيريا المنشطة لنويات الثلج يستوطن القناة الهضمية للحشرة و بالتالى فإنها تتأثر بالبرودة عند درجات حرارة أعلى بحوالى  6     درجات عن  تلك التى يمكن أن تتأثر بها  غير المحتوية على بكتيريا منشطة لنويات الثلج  . كانت المشكلة  أن البكتيريا التى أعطت نشاط عالى  من الأنواع الممرضة للنبات و بالتالى  لا تبقى طويلا بأعداد كبيرة داخل أمعاء الحشرات ، بينما انواع البكتيريا التى تستوطن أمعاء الحشرات طبيعيا  ليس من بينها ما هو  ذو  نشاط  ثلجى عالى . و قد  كان الحل فى الهندسة الوراثية فقد تم نقل جين النشاط الثلجى  من البكتيريا الممرضة للنبات إلى البكتيريا التى تستوطن أمعاء الحشرات طبيعا و أصبحت عامل فعال فى المكافحة الحيوية للحشرات . 

بعيدا عن مجال الزراعة  فقد  أمكن استخدامه بكتيريا النشاط الثلجى  تطبيقيا  فى خفض درجات التجمد فى صالات الانزلاق على الجليد  .